ما بين سطرٍ وحرف

بحروفٍ نابضةٍ بالدهشة، أُصوغُ لك كلماتٍ تفيضُ بالسحر.


بودكاست ضَوعُ شاعر (نطرق باب مدينة الشعر لنستظل تحت أفياء بيوت شعرائها، لنصير ما بين فيءٍ وفن) الحلقة الثالثة

نطرقُ بابَ مدينة الشعر لنستظلَّ تحت أفياء بيوت شُعرائِها، لنصير ما بين فيءٍ وفن.

الموسيقى الخلفيةالفقرةمحتواها
موسيقى عربية (عود أو قانون)مقدمة ثابتة
(intro)
إن كنت محبًا للشعر أو لم تكن، فإنك ودون أن تشعر تترنم بأبيات القصيد، وتُغريك نغمات الحروف وجَرْسُها لتتمايل.
في برنامج ضوع شاعر ندعوك لتجد عطرًا من عبير الكلمات فنغوص معًا في أعماق كلمةٍ يأسرها سحر القافية.
المتنفتحت عينيَّ لأجد نفسي في مكانٍ غريب، يبدو أنني غفوت دون أشعر بعد يومٍ شاقٍ مليء بالمهام والحركة، ولكن كيف وصلت هنا.

وقفت وتأمّلت المكان الذي بدا مألوفًا لحدٍ ما.
حجرةٌ صغيرة بها مكتب وبعض الكراسي المتناثرة، اقتربت من الباب الذي كان موصدًا ولم أستطع فتحه.


عليَّ أن أجد المفتاح، توجهت للمكتب لأبحث عنه.
تكدست الكثير من الكتب والأوراق على سطح المكتب، فتحت أول درج، وجدت بعض الأوراق التي مُلئت بالأبيات الشعرية.


ثلاثون عاماً في هوىً عشرينيّْ
أطاردُ أحلاماً مضت لسنينِ
أُحَمِّلُ أيامي مُنىً لاتُطيقُها
كأنَّ المُنى أمٌ بظَهر جَنينِ
أقوم وأهوي خيبةً بعد خيبةٍ
فما تتعبُ الأيامُ من تلقيني
أعودُ فؤادي كُلَّما نال طعنةً
وأسقيه كأس العاشِقِ المجنونِ
وماخفتُ من رمي الشكوكِ وإنما
أخافُ على شكّي سِهامَ يقيني


أبياتٌ جميلة لكنها مُترعة بالحزن والأسى، حتى يكاد الدمع يتدفق من حاشية الورقة.


تُرى كيف يبدو بكاء الكلمات؟ هل تتساقط حروفها أم تختلط ببعضها فلا تكاد تبين؟!


ما لهذا المسير من غير جدوى!
وطريقي كحيَّةٍ تتَلَوَّى!
لستُ أدري على الطريقِ أقلبي!
أم طريقي الذي يُشَقُّ فيُطوَى



كنتِ الدموع، وأضلعي المنديلا
كيف استحلنا، قاتلًا، وقتيلا؟
كيف ابتكرنا ألفٙ ثغرٍ، كُلها
تُوفي العتابَ وتجهلُ التقبيلا ؟


فتحت درجًا آخر ومثل سابقه كانت أوراقه أكثر وأبياتها أرق تفوح منها رائحة الوجد


أتيتُ إليها والقصائدُ في يدي
شهودٌ على وجدٍ بقلبيَ شُفَّعُ
فلما رأتني صاحباتٌ حفَفنَها
همسنَ لها جاء الجوادُ المُقَنَّعُ
وما مِن جوادٍ غير أنَّ قصائدي
تَكِرُّ إذا لاح الجمالُ وتُسرِعُ
فقلتُ سلاماً للجمالِ عُمومِهِ
وأختصُّ منه مَن إذا لُحنَ تَسطَعُ




ماتريدين من نزيفي ؟ ، دعيه
واشغلي بالعناق روحاً خرابا
إن للروح كالبلاد ديارًا
أسكنت كالبلاد شعباً مُصابا
جئتُ لم أدرِ كيف ، والدربُ عُمرٌ
حمل الشوق جيئةً وذهابا
لم أجئ مفردًا فإني حبيبٌ
صار من فرط شوقه أحبابا



إن هذا الشاعر يتقن عزف المشاعر على الورق، يتلاعب بالحرف كما يشاء، فمرةً يرفعه بضمة الحب، وتارةً يكسره بخيبة الأمل، ويفتحه على مصراعيه بكبرياء


ويملِكُ لو شاءَ العتابَ .. وإنما
تعز عليهِ نفسُهُ أنْ يُعاتِبَا



أدون الشعرَ حتى لا أشيخَ ، وكم
تشيخُ روحُ مشوق يانعِ العودِ
للروح كالجسم تجعيدٌ ، فهل عرفوا
أنَّ القصائد بعضٌ من تجاعيدِي!


لو تركت لنفسي أعنّتها، لغاصت أكثر في بحور شعره، وما عادت إلا بعد أن تحوز كل الدرر.


طبختُ لها القصيد ، فليس عندي
من الأكَلات إلا ما كتبتُ
وما هذي القصيدةُ غير شاةٍ
إذا مرَّت بها أنثى ، ذَبحتُ



شاعرٌ يجيد الذبح أم طباخٌ بديع الغزل؟!
كل ورقةٍ تكشف عن أبياتٍ فريدة، وصورٍ تُرسم ببراعة. لا بد أن هذا الشاعر قد كتب الكثير من القصائد حتى وصل لهذه الإجادة والمهارة


الناعساتُ ، الناعساتْ
القاتلات الباعثاتْ
القاصياتُ الدانياتْ
الخافضاتُ الرافعاتْ
المبكياتُ قلوبنا بجمالهنَّ
المُضحِكاتْ
الجالبات من الهوى
مالا تعيه الأمنياتْ
اللائي يجتزنَ العيونَ
ويخترقنَ إلى الذواتْ


لم أجد المفتاح بعد، وأظن أن هذه أفضل طريقة يُحبس فيها المرء، ما بين شطرٍ وقافية، فيترنّم على وقع القصيد ويبحث عن وسيلة الخروج وراء الصدرِ والعجزِ.


قد مات الورد ليستلقي
روحاً في العطر ويتجرَّدْ
حتى رشّتْهُ يداكِ على
نَهدٍ أحياهُ ، فَتَوَرَّدْ
يابنتُ وفي قلبي طيرٌ
أغراه الغيم ، ولم يصعَدْ
أشجاه الليل فما أبكى
أشجاه الصبح فما غردْ
يا هدهد قلبي ، لم أبرح
أمشي في الشِعر وأتفقّدْ


إن هذا أخر درج، يا ويحي إلّم أجد به المفتاح، فتحته على عجل ما بين شوقٍ للخروج وحزنٍ على وداع هذا الشاعر الذي لم أكتشف هويته بعد.


باكٍ ودمع عيونه أقلامُ
خافٍ فما تدري بهِ الأيامُ
في صدره أُخدُودُ نارٍ ، كُلَّما
مرتْ بهِ تتآكَلُ الأحلامُ
في أرضِهِ عيناهُ ، فيهِ عينُها
لكنَّ بين الناظِرَينِ سِهامُ
يمشي ويسبقُهُ الحنينُ لوصلها
فكأنَّما لحنينِهِ أقدَامُ




وجدت المفتاح ومعه ورقةً واحدة، يبدو أنها استمارة تحوي بيانات الشاعر العبقري، وعلى ظهرها قرأت هذه الأبيات
:

تحاولُ فهم الأرض ، قُلتَ حبيبةٌ
تراقصُ عزرائيل خوفاً ، لتُشغِلَهْ
إلى أين يرميك التفلسف ، كلما
تعَمَّقتَ في حلٍ طلعتَ بمُعضِلَةْ !
نظرتَ لعين الشِعر ، كانت جميلةً
فأغواك حتى بعتَ كُلَّ اليقينِ ، لَهْ
أراك غيوم الحبِّ حتى أمِنتَهُ
فلما كشفتَ الوردَ … أخرجَ مِنجَلَهْ




وأخيرًا عرفت هوية الشاعر الذي حُبست في حضرة شعره، إنه الشاعر اليمني المهندس أحمد الصيعري.


فتحت الباب وغادرت الحجرة لأجدني في ساحة مدينة الشعر البهية، لكن تأخر الوقت عليَّ العودة للمنزل، فإلى لقاء
موسيقى الختامالخاتمة
انتهت رحلة اليوم في مدينة الشعر وبيوتها البهيّة، انتظرونا الأسبوع القادم لنتطيّب بأريج شاعر.
بطاقة تعريفية بالشاعر أحمد الصيعري


أضف تعليق

تصميم موقع كهذا باستخدام ووردبريس.كوم
ابدأ